کد مطلب:280414 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:242

التقدم الی الخلف
أخبر المسیح علیه السلام تلامیذه بأنهم سیضطهدون وسیطردون خارج المجامع. وإنه سیأتی وقت یظن فیه من یقتلهم أنه یؤدی خدمة لله [1] وفی آخر الدعوة قال المسیح لتلامیذه حین أرسلتكم بلا صرة مال ولا كیس زاد ولا حذاء. هل احتجتم إلی شئ. فقالوا: لا فقال لهم: أما الآن فمن عنده صرة مال فلیأخذها وكذلك من عنده حقیبة زاد. ومن لیس عنده فلیبیع رداءه ویشتر سیفا [2] لقد كان علیه السلام یعدهم للدفاع عن أنفسهم. وكما نزل الستار علی أبناء هارون من بعد موسی وهارون. وهم الذین عینتهم الدعوة الإلهیة لتفسیر الشریعة، وكما ضاعت أصواتهم فی ساحات الضوضاء والغوغاء فلم تری معالمهم فی السطور التی احتوتها الأصول، كذلك نزل الستار علی تلامیذ المسیح علیه السلام من بعد رفع المسیح، وضاعت أصواتهم علی موائد المجامع. ولم تكن لهم معالم فی سطور القرارات التی أصدرتها المجامع عبر تاریخها. ولم یعرف من سیرة تلامیذ المسیح علیه السلام إلا ما أخبرت به الدعوة الإلهیة الخاتمة. روی أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم قال كونوا كأصحاب عیسی. نصبوا علی الخشب ونشروا بالمناشیر. موت فی طاعة خیر من حیاة فی معصیة [3] وبعد اضطهاد الأصحاب جاء العصر الذی اضطهد فیه الأتباع



[ صفحه 186]



والذین علی أثر المسیح. قال تعالی: (قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود. إذ هم علیها قعود وهم علی ما یفعلون بالمؤمنین شهود وما نقموا منهم إلا أن یؤمنوا بالله العزیز الحمید...). [4] قال المفسرون:

قیل: كان الأخدود بنجران. وكان بها بقایا قوم علی دین عیسی بن مریم، وأراد ملك من ملوك حمیر كان قد تهود أن یحملهم علی الیهودیة ویدخلهم فیها، فجمع من كان بنجران علی دین المسیح ثم عرض علیهم دین الیهودیة، فأبوا علیه واختاروا القتل. فاتخذ لهم أخدودا وجمع فیه الحطب وأشعل فیه النیران. فمنهم من أحرق بالنار ومنهم من قتل بالسیف، وقوله تعالی: (وما نقموا منهم إلا أن یؤمنوا بالله..) أی ما كرهوا من أولئك المؤمنین إلا إیمانهم بالله. فأحرقوهم لأجل إیمانهم. وقیل: أن لأصحاب الأخدود وقائع متعددة وقعت بالحبشة والیمن والعجم والإشارة فی الآیة إلی جمیعها. وذكر ابن كثیر أنه فی زمن قسطنطین. ألقی النصاری الذین كانوا علی دین المسیح علیه السلام فی أخدود وقتلوا جمیعا بالنار. [5] ومن الثابت أن قسطنطین هو الذی دعا إلی مؤتمر نیقیة عام 325 م. وهو الذی اعتمد قانون الإیمان النصرانی الذی یقول بألوهیة المسیح. كما سنبین فی موضعه.

وبالجملة: تم اضطهاد وقتل الذین سلكوا سبیل عیسی علیه السلام. ونزل علیهم الستار كما نزل من قبل علی أبناء هارون فی صدر المسیرة الإسرائیلیة. ورغم نزول الستار إلا أن آثار أقدامهم واضحة علی امتداد الطریق. لأنها أصل من أصول الدعوة یقام به الحجة علی كل من یتدبر فی الأصول. وهذا الأصل یقود إلی الدعوة الخاتمة التی جعلها الله حجة علی البشریة جمعاء.



[ صفحه 187]



بعد حرق الذین آمنوا بالله العزیز الحمید. ظهرت أول رسائل فی اللاهوت المسیحی. جاء فی تاریخ الكنیسة إن أقدم رسالة فی اللاهوت المسیحی مصدرها بولس [6] وهذا یعنی أن العمود الفقری للنصرانیة التی تقول بلاهوت المسیح یعود وضع خمیرته ورعایة أعمدته إلی بولس، ویعنی أیضا أن المسیرة النصرانیة انطلقت منذ ذلك الحین بوقود بولس. بعد أن أقیمت علیهم الحجة علی امتداد المسیرة الإسرائیلیة وحتی زمن المسیح علیه السلام. بأنه لا إله إلا الله، وإنه سبحانه الأول والآخر والظاهر والباطن، وله وحده میراث السماوات والأرض وجمیع موجودات العالم تنتهی فی وجودها وآثارها إلیه جل شأنه.

ولما كان بولس تعود إلیه الخمیرة الأولی للمسیرة المسیحیة الحاضرة، فإن البحث یقضی بضرورة إلقاء بعض الضوء علیه وعلی اجتهاداته. فیما یتعلق بالعمل بالشریعة الموسویة والتبشیر بالنبی الخاتم صلی الله علیه وسلم، علی إعتبار أن دعوة المسیح علیه السلام كانت تقوم علی هذین الاتجاهین.


[1] أنظر: يوحنا 16 / 1 - 3.

[2] لوقا 22 / 35 - 37.

[3] رواه ابن عساكر عن ابن مسعود. والطبراني عن معاذ (كنز العمال 216 / 1).

[4] سورة البروج آية 4 - 8.

[5] ابن كثير في تفسيره 495 / 4.

[6] تاريخ الكنيسة / لويرم ص 83.